• ×

الوسيط بين الاختصار والتبسيط في فقه الفرائض وحساب المواريث

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ونبيه وخليله أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فبلغ رسالات ربه غير وانٍ ولا مقصر وجاهد في الله حق جهاده غير واهنٍ ولا معذر حتى أتاه اليقين بعد أن أصبحت أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً , يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) . أ
ما بعد :
فلقد أحببت علم الفرائض لأنها من أهم علوم الدين فهي نصف العلم فقد هيأ الله تعالى لي قراءة كتاب عدة الباحث منهجاً دراسياً بالمعهد العلمي بجازان مرتين :
المرة الأولى : بالمرحة المتوسطة حيث كانت مادة الفرائض سابقاً مقررة في المعاهد العلمية على طلاب المرحلة المتوسطة .
والمرة الثانية : لما رأت الرئاسة العامة للمعاهد العلمية أن تكون هذه المادة مقررة على المرحلة الثانوية بدلاً من المرحلة المتوسطة فقُرِّر علينا نفس الكتاب مرة أخرى منهجاً دراسياً فاستفدت من هذه الإعادة فائدة عظيمة فنمى عندي حب هذه المادة وزاد ميولي إلى هذا العلم مما جعلني أواصل القراء ة والمطالعة فيه كلما سنحت لي فرصة ولاحت لي رغبة .
كذلك ما يُلقي عليّ والدي حفظه الله تعالى ومتعه بالصحة والعافية من الأسئلة والاستفسارات بين الحين والآخر تارة لقصد الامتحان ومن ذلك ما قاله لي مرة من المرات : { البنت والعمّة ترثان ما ثمة } , فقلت لـه : العمة لا ترث مع البنت هنا شيئاً لأنها من ذوي الأرحام
فقال بل المال بينهما بالسوية لأنها عمة البنت وليست عمة الميت وإنما هي شقيقته فهي معصبة على بنت أخيها .
وتارة لمعرفة نصيب وارث من الناس حيث كان أبي حفظه الله تعالى ممن تتلمذ بمدارس الشيخ عبد الله القرعاوي ــ رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته ــ
برهة يسيرة من الزمن وذلك لصعوبة المعيشة آنذاك وكثرة العيال .
كما هيأ الله تعالى لي الانتظام مع بعض زملائي لقراءة كتاب العدة شرح العمدة في الفقه الحنبلي لبهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي رحمه الله تعالى .
وما يسره الله تعالى من الكتب الستة وذلك على فضيلة شيخنا العلامة الحبر الفهامة العالم الرباني المحدث الفقيه المفتي المجتهد محيي السنة ومن حملة لوائها ببلادنا ــ حماها الله تعالى ــ والعالم الإسلامي الشيخ / أحمد بن يحيى النجمي آل شبير حفظه الله ومد في عمره ونفع بعلمه وزاده من فضله وبه أعني بقولي في كتابي هذا ( قال شيخنا) فصقل الموهبة وأخذ باليد إلى الوجهة الصحيحة في طلب العلم ووجه وشجع وأذن لي بإلقاء الدروس وأشركني في دورات الشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله تعالى مدرساً لهذه المادة وأحال علي بعض المستفتين لاسيما في مسائل المناسخات وقد أشركني مرة ـ دون تطلع مني ـ في مسألة وردت عليه بمجلسه عند حضوري للسلام عليه مع طلاب العلم كل ذلك تشجيعاً جزاه الله عني وعن طلاب العلم خيراً وإلى جانب هذا فقد قمت بتدريس هذا العلم لبعض الطلاب الملتزمين بمناهج دراسية وغيرهم من طلاب حلقات العلم وذلك في حلقات متقطعة بين مسجدي ومنزلي فترة من الزمن بعد إلحاح ودفع من بعض طلاب العلم وعلى رأسهم أبو عبد العزيز الشيخ / علي بن موسى محمد الحنتول ( سبط أبي ) .
وبعد إذن شيخي وإجازته لي كان لي درس رسمي بجامع قريتي الجعدية فترة من الزمن ثم درس آخر بجامع الدحمان الكبير بمحافظة الأحد مما ثبت المعلومة وشحذ الهمة ولما تجمعت لدي وريقات في هذا العلم جمعتها وأودعتها مكتبة منزلي أرجع إليها بين الحين والآخر مع بعض طلاب العلم فكانت عرضة للتلف والتناثر والبلى فطلب مني بإلحاح شديد ذلك الطالب النجيب أن أجمعها في كتاب لحفظها وصونها وتسهيلاً للوصول إليها والاستفادة منها فأكبرت الطلب ولم أعطه اهتماماً في بادئ الأمر وذلك لعظيم الخطب وضيق الوقت وكثرة المشاغل الوظيفية .
وبعد زمن من الإلحاح أقدمت بعد تردد طويل ووجل شديد وتسويف مديد مستعيناً بالله وحده أولاً وأخيراً .
ثم مسترشداً بتوجيهات شيخي على استجابة ذلك الطلب مع عدم طرقي لباب التأليف الذي له رجاله .
وقلة حيلتي وضيق وقتي الذي تطاير جذاذاً بين عملي الوظيفي الرسمي صباحاً وإدارتي لحلقة القرآن الكريم آنذاك عصرًا بمسجدي في جامع قريتي إلى جانب الإمامة والخطابة به وحضور دروس مشايخي ورعاية أسرتي الكبيرة ومما لاشك فيه أن العلم يحفظ بالكتابة من النسيان فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : قيدوا العلم بالكتابة .
وروي أن رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم النسيان فقال له استعمل يدك أي أكتب حتى ترجع إذا نسيت إلى ما كتبت .
وروي عن الجصاص أنه قال قلت للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: إلى متى يكتب الرجل ؟ قال : حتى
يموت وقد قيل :
وما سمي الإنسان إلا لنســـيه
ولا القلب إلا أنه يتقلــــــــب

وكما قيل : آفة العلم النسيان .

ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول القائل :

العلم صيد والكتابة قيـده
قيد صيودك بالحبال ألوا ثقـة

فمن الحماقة أن تصيد غزالة
وتسيرها بين الخلائق طالقه

فجمعته لنفسي كمرجع لي في الفرائض وقد سميته ( الوسيط بين الاختصار والتبسيط في فقه الفرائض وحساب المواريث ) مراعياً في ذلك الاختصار الغير مخل والبسط الغير ممل ما استطعت إلى ذلك سبيلاً .
وقد ضمنته خمسةً وثلاثين باباً راجياً المولى القدير التوفيق لإكماله والسداد في إحسانه إنه ولي ذلك والقادر عليه
وكما قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى ( وإن لم أكن أرى نفسي أهلاً لما هنالك ولا من فرسان ميادين تلك المسالك فلا يمنعني ذلك من أن أجود بقلِّي وموجودي .
وبعد ذلك لا ألام فإن خير الصدقة جهد المقل أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
ورحم الله القائل :

أسير وراء الركب ذا عـــرج
مـؤملاً جبر ما لاقيت من عــرج

فإن لحقت بهم من بعد ما سبقـوا
فكم لرب الورى في الناس من فـرج

وإن ظللت بقفر الأرض منـقطعاً
فما على أعرج في ذا ك من حـرج

وقد اعتمدت في ترجيحي على الله العليم الخبير أولاً وأخيراً .
ثم على إمعان النظر فيما وجدت من الأدلة النقلية ما استطعت إلى ذلك سبيلا .
وعلى ما وجد ت وتوفر لدي من أمهات كتب الأئمة الأثبات والعلماء الثقات من الأسلاف الصالحين وكتب هيئة كبار العلماء الربانيين ومنهم شيخي مبيناً لاختياره الذي وقفت عليه.
وكذلك شيخ شيخنا الشيخ الفاضل والعلامة الجليل والمحدث الحافظ والفقيه المجتهد فريد عصره وعلامة دهره الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وبه أعني في كتابي هذا بقولي : ( شيخ شيخنا ) وكتب الثقات من الباحثين المعاصرين المحققين .
والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم لا يساوره رياء ولا سمعة ولا طمع إلا في بيان الحق وعدم انقطاع العمل لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو ولد صالح يدعو لـه أو علم ينتفع به من بعده } أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
فإن من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
وكما قيل من صنف فقد استهدف أي عرض نفسه للاعتراض والتفتيش .
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى : من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس .
ومع ذلك فإني كما قال الشيخ الشنشوري رحمه الله تعالى ( أسأل من وصل كتابي هذا إليه ووقف بنظره السديد عليه أن ينظر إليه بعين الرضا والإنصاف وأن يغض عن محل الخطأ ومظان الإعتساف فإني بالعجز معترف وبالخطأ والتقصير متصف .
وأن لا يراه بعين الاحتقار والازدراء فإن ذلك يؤدي إلى الجدال والمراء وأن يصلح ما وقع فيه من طغيان القلم ولا يستعجل فالاستعجال يوقع في الندم ) .
فإن الكمال عزيز وصفة من صفات رب العالمين .
وقد عرضت كتابي هذا على فضيلة شيخنا أحمد بن يحي النجمي في أكثر من ثمان سنوات نظراً لتزاحم الدروس والمحاضرات والمستفتين عليه رغم أنه كرماً قد خصني بليلة الخميس من كل أسبوع من بعد صلاة العصر إلا أني لم أهنأ بها لكثرة المستفتين والضيوف والمحاضرات التي تعلن له .
ولازلت كلما جدّت لديّ معلومة في هذا الفن عرضتها عليه فكم من توجيهات سديدة أسداها إليّ وكم من تشجيع قد أولاني به كان له الأثر العميق في نفسي مما جعلني أواصل البحث والتدوين في هذا الفن كما أني عرضت جزءاً من كتابي هذا من باب التعصيب وهو الخلاف في توريث العصبة مع الغير , والرد على من انتقد توريث الأخت الشقيقة أو لأب مع البنت على فضيلة شيخنا الجليل والعلامة النبيل الناصح الفقيه أبي محمد الشيخ زيد بن محمد هادي المدخلي حفظه الله تعالى ومد في عمره ونفع بعلمه وزاده من فضله الناصح الشفوق كما عرضت عليه أيضاً ميراث ابن الملاعنة فقوّم لي الكثير من العبارات وأفادني فوائد قيمة لاسيما وهو من فرسان ميدان التأليف والشروح وكم أطمع في عرض كتابي هذا عليه كاملاً أسأل الله التيسير إنه على كل شيءٍ قدير .
وقد أشركني مرة في مجلسه في حل مسألة فرضية تشجيعاً منه لمّا كنت في زيارة لـه مع بعض طلاب العلم
كما أسند إليّ تدريس هذه المادة فيما بعد بدورات الشيخ عبد الله القرعاوي لكونه والشيخ أحمد النجمي المشرفان عليها والقائمان بها والمسؤولان على اختيار مدرسيها ومهما يكن فلا يخفى قول المز ني رحمه الله تعالى على من اقتحم ميدان التأليف : ( لو عُرض كتاب سبعين مرة لوجد فيه خطأ أبى الله أن يكون كتاباً صحيحاً غير كتابه ) .
ولا أبْيَن من كتاب القاضي عبد الرحيم بن علي إلى العماد الأصبهاني حيث قال : ( إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يوم إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر ) .
وكما لا يخفى قول الإمام مالك رحمه الله تعالى : ( كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر ) يعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالسلامة من هذا الخطر أمر يعز على البشر فستر الله على من ستر وغفر لمن غفر .

وإن تجد عيباً فســـد الخللا
جلّ من لا فيه عيب وعلا

فإذا رأيت أيها الناظر في هذا الكتاب خطأ منصوصاً فأصلحه بالمعروف عند العلماء فهو جهد بشري يعتوره النقص والخطأ فالمرء قليل بنفسه كثير بأخيه .

يا من غدا ناظراً فيما كتبت ومن
أضحى يردد فيما قلته النظــــرا

سألتك الله إن عاينت لي خطـــأ
فاستر علي فخير الناس من سترا

فالكمال لله , والنقص ومظنة التقصير من صفات البشر, والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل
لي مطلب من كل قارئ قــرأ
أن يستر العيب الذي فيه يرى

من في السبك والتعـــبير
فكلنا مظنة التقصـــــــــير

وليس يخلو أحد من عــــــيب
ثم الدعاء لي بظهر الغيب

فعلى الجليل اتكلت وبالعليم استعنت ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم هو ولينا ونعم المولى ونعم النصير فإنه خير مسئول وأعظم مأمول وإليه تفويضي واستنادي وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الأبرار وصحابته الأخيار والتابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .



بواسطة : moha319
 0  0  4.5K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 01:17 مساءً السبت 21 جمادي الأول 1446 / 23 نوفمبر 2024.