• ×

التوارث في الإسلام

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
التوارث في الإسلام

بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام دين الحق والاعتدال ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) لا دين سواه ولا يقبل غيره ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) دين الكمال الذي ارتضاه الله لخير أمة أخرجت للناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ). جاء والناس يموجون في فتن داستهم بأخفافها ووطأتهم بأظلافها تائهون حائرون في ظلمات بعضها فوق بعض فأخرجهم الله به من تلك الظلمات الدامسة إلى الأنوار الساطعة فبدأ صلى الله عليه وسلم بالعقيدة فثبت جذورها وأرسى أوتادها ثم تتالت الشرائع وحياً من رب العالمين على رسوله الأمين , وأخذت المواريث دورها في التشريع تدرجاً حتى لا تشق على المكلفين بها فأقر التوارث بالحلف والنصرة برهة من الزمن كما روى جبير بن مطعم رضعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة) فجعل الحليف في صدر الإسلام بمنزلة الأخ لأم فأُعْطِي السدس ومما يدل عليه ما حكاه بعض أهل التفسير في قوله تعالى ( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) . قال ابن حجر رحمه الله تعالى: أُمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهــو السدس. ثم نسخ ذلك التوارث وجعل التوارث بالإسلام والهجرة فكان الرجل إذا اسلم وهاجر معه أحد مناسبيه توارثا بهذه الهجرة ؛ مثل أن يكون له أخ وابن مسلمين فهاجر معه الأخ دون الابن فيرثه أخوه دون ابنه والدليل عليه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ) ثم كان هناك توارث آخر أيضاً في صدر الإسلام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار التي آخى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم حيث كان المهاجر يرث الأنصاري دون ذوي رَحِمِه ثم نُسخ ذلك الميراث بميراث الرحم وذلك بقوله تعالى ) وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )الآية وهو المعتمد في نسخ ما سبق من التوارث ثم شرع الميراث بالوصية الواجبة للوالدين و الأقربين فكان إذا حضر أحدهم الموت قسم ماله بين أهله وأقاربه ومن حضر من غيرهم كيف شاء وأحب ميراثاً ووصية وفيه نزل قوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) , ثم نسخ ذلك بآيات المواريث قال : ابن عباس رضى الله عنهما ( كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع حيث تدرج بهم في الميراث رحمة منه تعالى بهم فروي أن أوس بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه توفي وترك امرأة يقال لها أم كجة وثلاث بنات له فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما سويد وعرفجة فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا , وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا إنما يورثون الرجال الكبار وكانوا يقولون لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وحاز الغنيمة فجاءت أم كجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك لي بنات وأنا امرأة وليس عندي ما أنفقه عليهن وقد ترك أبوهن مالاً حسناً وهو عند سويد وعرفجة لم يعطياني ولا يرفعان لهن رأسا فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا ( يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاً ولا ينكون عدواً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن فانصرفوا فأنزل الله تعالى ( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ). ثم إن الله تعالى فرض المواريث و قدرها وبين المستحقين لها في ثلاث آي من سورة النساء نسخ بهن جميع ما تقدم من المواريث. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن امرأة سعد بن الربيع رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إن سعداً هلك وترك بنتين وقد أخذ عمهما مالهما فلم يدع لهما مالاً إلا أخذه فما ترى يا رسول الله ؟ فوالله لا ينكحان أبداً إلا ولهما مال , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقضي الله في ذلك فنزلت سورة النساء ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوا لي المرأة وصاحبها فقال للعم أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك . وروى ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال ( مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني هو وأبو بكر رضي الله عنه ماشيين وقد أغمي علي فلم أكلمه فتوضأ ثم صبه علي فأفقت , فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي ولي أخوات قال فنزلت (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ) إلى آخر السورة . فبين جل وعلا في هذه الآي الثلاث ما كان مرسلاً وفسر وبين ما كان مجملاً وقدرت الفروض ما كان مبهماً . ثم بين الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته ما احتيج إلى بيان ثم قال بعد ذلك في حديث شرحبيل بن مسلم ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) , فالآية الأولى في ميراث الأولاد والأبوين والآية الثانية في ميراث ولد الأم والزوجين والآية الثالثة من سورة النساء في ميراث الإخوة والأخوات لأبوين أو لأب والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله مما جرت به الرحم من العصبة واستقر الميراث في شريعة الإسلام على هذا إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
بواسطة : moha319
 0  0  3.0K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:48 صباحًا الخميس 19 جمادي الأول 1446 / 21 نوفمبر 2024.